حريتنا في أماننا!!

في ظل الديمقراطية والتعددية السياسية، من حق أي مواطن أو طرف سياسي أو حزبي أن يعبر عن رأيه ومواقفه وتوجهاته ومطالبه بالطرق السلمية، سواء من خلال المنابر الإعلامية أو عبر التظاهر السلمي، فمثل هذه الحقوق مكفولة بموجب الدستور والقانون، ولكن شريطة ألاَّ تتحول هذه الممارسات لحرية التعبير إلى وسائل للإضرار بمصالح المواطنين أو لإقلاق السكينة العامة وتعكير صفو السلم الاجتماعي أو للتأثير سلبا على مجريات النظام العام واستتبابه.
ونعتقد أننا في اليمن قد قدمنا خلال الأسبوع الماضي صورة حضارية للعالم في هذا الجانب بالتزام كافة الأطراف السياسية والحزبية، سلطة ومعارضة، بممارسة حق التظاهر باسلوب سلمي راق وبعيد عن كل ما يشوه نقاء الممارسة الديمقراطية لهذا الحق، أو ينحرف بها عن مقاصدها السلمية.
وحتى نحافظ على رقي هذا المسلك الإيجابي فإن الواجب أن نتيقظ كل اليقظة لكل محاولة مستترة أو أطروحات متشنجة أو دعوات منفعلة أو نوايا مبيتة تسعى إلى أن تسرق منا تلك الصورة الحضارية التي أشاد بها الكثير من المتابعين في الداخل والخارج، خاصة وأن الغاية من التظاهر هي تسجيل موقف أو إيصال رسالة إزاء أية قضية من القضايا، وذلك ما تم بالفعل في الفعاليات السابقة التي نظمتها الأحزاب بمختلف ألوان طيفها السياسي.
ومع أنه لا يوجد ما يمنع أو يحول دون ممارسة حق التعبير في أي وقت كان، فإن ما نخشاه اليوم وبعد أن جرى ما جرى في غير قطر عربي، أن يندفع البعض دون وعي إلى محاكاة موجة التصرفات الفوضوية التي ظهرت بعض مشاهدها في أعمال السلب والنهب والتخريب والتدمير والتي امتدت إلى الاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة وترويع المواطنين بل وحتى استباحة أعراض البعض وحرمات منازلهم مما أوصل الأمور إلى حالة من الانفلات الأمني وتعطيل مصالح الناس وإصابة الحياة العامة بالشلل!!.
ولذلك فإن من واجب العقلاء في الأحزاب السياسية إدراك حقيقة أن أمن هذا الوطن وسلامته وسكينته العامة هي من أوجب المسؤوليات التي تقع على عاتق الجميع دون استثناء، وأن هذه المسؤولية تقتضي استشعار أن أية محاولة لبث الفوضى ستؤدي إلى عواقب وخيمة على كل من في هذا الوطن، ولا يمكن لأحد أن يتنصل حينها من مسؤوليته فيما إذا اندس بعض المغرضين أو الحاقدين في أية تظاهرة سلمية وجرها إلى منزلقات فقدان السيطرة.
ولعل العقلاء يعون تماماً أن هناك من منتهزي الفرص الذين يتحينون اللحظة المواتية لإفساد التظاهرات السلمية، وأن هذه العناصر ليست فوق الشبهات ولا يخلو أي مجتمع منها.. وبكل تأكيد فإن عواقب مثل هذا إذا ما حدث - لاسمح الله- ستكون مضاعفة وأكثر فداحة على هذا الوطن وأبنائه بالنظر إلى خصوصية المجتمع اليمني وانتشار السلاح بين أوساطه.
ولن يغفر هذا الشعب حتى لأصحاب النوايا الحسنة داخل أحزاب المعارضة تقاعسهم عن القيام بدورهم في تقديم النصح والحيلولة دون وقوع أية ممارسات أو تصرفات شاطحة تهيج الفوضى أو تشعل فتنة تفضي إلى زعزعة أمن واستقرار المجتمع وتبديد سكينته العامة وسلمه الاجتماعي.
وإذا كنا اليوم بحاجة إلى استخلاص دروس ما حدث لدى غيرنا فإن الواجب أيضاً أن نعي جيداً أن اليمن بخصوصيته الاجتماعية له وضع مختلف عن الأوضاع القائمة في معظم الدول العربية، وهذا الوضع لا يسمح بأية مجازفة أو مغامرة متهورة، فأي اهتزاز لعوامل الأمن والاستقرار ستكون له انعكاسات مدمرة على الوحدة الوطنية والنهج الديمقراطي وحرية الرأي والتعبير التي نتمتع بها والسلم الاجتماعي الذي ننعم به.
نقول ذلك ولدينا الثقة الكاملة بأن العقلاء في هذا البلد لا يغيب عن مداركهم أن جوهر الحرية هو في إعلاء قيمة الوطن وصون أمنه واستقراره والانتصار لمصالحه العليا، وأنه إذا كان الأمان يسبق الإيمان فإن هذه الحرية التي نتنفسها لايمكن أن تزدهر في ظل وطن تتنازعه عوامل الفوضى والفتن والأزمات، بل أنه لا حرية دون أمن واستقرار، فالفوضى إذا ما هاجت، فإن الأرواح والطاقات والقدرات تكون وقوداً لها.
وليس هناك من عاقل يرضى أن يجعل من هذا الوطن ساحة لعبث العابثين وكيد الكائدين وأحقاد الحاقدين وانتهازية الانتهازيين أو يقبل بأن يكون فريسة سائغة لفوضى المتربصين بحاضره ومستقبله.. فما أصعب على الحر أن يفرط بوطنه

الله المستعان

تسلم على الموضوع اخي